الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»
.تفسير الآيات (124- 125): وقوله سبحانه: {إِنَّمَا جُعِلَ السبت...} الآية: أي: لم يكُنْ من ملَّة إِبراهيم، وإِنما جعل اللَّه فرضاً عاقب به القَوْمَ المُخْتَلِفين فيه؛ قاله ابن زَيْد؛ وذلك أن موسى عليه السلام أَمَرَ بَنِي إسرائيل أنْ يجعلوا من الجمعة يوماً مختصًّا بالعبادة، وأمرهم أنْ يكون الجُمُعَةَ، فقال جمهورهم: بلْ يكونُ يَوْمَ السَّبْتِ؛ لأن اللَّه تعالى فَرَغَ فيه من خَلْق مخلوقاته، وقال غيرهم: بَلْ نقبَلُ ما أمَرَ به موسى، فراجَعَهم الجمهورُ، فتابعهم الآخرون، فألزمهم اللَّهُ يَوْمَ السْبتِ إِلزاماً قويًّا، عقوبةً لهم، ثم لم يكُنْ منهم ثبوتٌ، بل عَصَوْا فيه، وتعدَّوْا فأهلكهم، وورد في الحديث الصحيح، أنَّ اليَهُودَ والنَّصَارَى اختلفوا في اليوم الذي يختصُّ من الجمعة، فأخذ هؤلاء السبْتَ، وأخَذَ هؤلاء الأحدَ، فهدانا اللَّهَ نحْنُ إلى يوم الجمعةِ، قال صلى الله عليه وسلم: «فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفوا فِيهِ» فَلَيْسَ الاختلافُ المذكورُ في الآية هو الاختلافَ في هذا الحديث. * ت *: يعنى أنَّ الاختلاف المذكورَ في الآيةِ هو بَيْنَ اليهود فيما بينهم، والاختلاف المذكور في الحديثِ الصحيحِ هو فيما بَيْنَ اليهودِ والنصارى. وقوله سبحانه: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة} هذه الآيةُ نزلَتْ بمكَّة، أمر عليه السلام أنْ يدعو إِلى دينِ اللَّه وشَرْعِهِ بتلطُّف، وهكذا ينبغى أنْ يوعَظَ المسلمون إِلى يوم القيامة. .تفسير الآيات (126- 128): وقوله سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ...} الآية: أطبق أهْل التفسير أنَّ هذه الآية مدنيَّة، نزلَتْ في شأن التمثيل بَحْمَزة وغيره في يَوْمِ أحُدِ، ووقع ذلك في صحيحِ البخاريِّ وغيره، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ أَظْفَرَنِي اللَّهُ بِهِمْ لأُمثِّلَنَّ بِثَلاَثِين» كتاب النْحَّاس وغيره: «بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ»، فقال الناس: إِنْ ظفرنا، لنفعلَنَّ ولنفعَلنَّ، فنزلَتْ هذه الآية، ثم عزم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصَّبْر عن المجازاة بالتمثيل في القتلى، ويروى أنه عليه السلام قَالَ لأصحابه: «أَمَّا أنا فَأصْبِرُ كَمَا أُمِرْتُ، فَمَاذَا تَصْنَعُونَ؟ فَقَالُوا: نَصْبِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كما نُدِبْنَا!!!». وقوله: {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} أي بمعونة اللَّهِ وتأييده على ذلك. وقوله سبحانه: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} قيل: الضمير في قوله: {عَلَيْهِمْ} يعودُ على الكُفار، أي: لا تتأسَّف عليهم أنْ لم يُسْلِمُوا، وقالتْ فرقة: بل يعودُ على القَتْلى حمزة وأصحابه الذين حَزِنَ عليهم صلى الله عليه وسلم والأولُ أصوبُ. {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} قرأ الجمهور: {في ضَيْقٍ}- بفتح الضاد-، وقرأ ابن كثير بكسر الضاد، وهما لغتان. {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا}: أي بالنصْرِ والمعونةِ، و{اتقوا} يريدُ المعاصِيَ، و{مُّحْسِنُونَ} هم الذين يتزيَّدون فيما نُدِبَ إِليه من فِعْلِ الخَيْرِ وصلَّى اللَّهُ على سَيِّدنا محمدٍ وآله وصَحْبه وسلَّم تسليماً. .تفسير سورة سبحان: قال ابن مسعود في بني إسرائيل والكهف: إنهما من العتاق الأول، وهن من تلادي- يريد أنهن من قديم كسبه. .تفسير الآية رقم (1): قوله عزَّ وجلَّ: {سبحان الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام}: جل العلماء على أن الإسراء كان بشَخْصه صلى الله عليه وسلم، وأنه ركِب البُرَاق من مكَّة، ووصل إِلى بيت المقدس، وصلَّى فيه، وقالتْ عائشة ومعاوية: إِنما أُسْرِي بِرُوحه، والصحيحُ ما ذهب إليه الجمهورُ، ولو كانتْ منامةً، ما أمكن قريشاً التشنيعُ، ولا فُضِّل أبو بكر بالتصديق، ولا قالَتْ له أمُّ هانئ: لا تحدِّث الناس بهذا، فيكذِّبوك، إِلى غير هذا من الدلائل، وأما قول عائشة فإنها كانت صغيرة، ولا حدثَتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكذلك معاوية. قال ابن العربيِّ: قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} قال علماؤنا: لو كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم اسم هو أشرَفُ منه، لسماه اللَّه تعالى به في تلك الحَالةِ العَلِيَّة، وقد قال الأستاذ جمال الإِسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هَوَازِنَ: لما رَفَعه اللَّه إِلى حضرته السَّنِيَّةِ وأرقاه فوق الكواكِب العُلْويَّة؛ الزمه اسم العبوديَّة، تواضُعاً وإِجلالاً للألوهية. انتهى من الأحكام. و{سبحان} مصدر معناه: تنزيهاً للَّه، وروى طلحة بن عبيد اللَّه الفَيَّاض أحد العَشَرة، أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما معنى سبحان اللَّه؟ قال: تَنْزِيهُ اللَّه مِنْ كُلِّ سوء، وكان الإسراء فيما قال مقاتِلٌ وقتادةُ: قبل الهجرة بعامٍ، وقيل: بعام ونصفٍ، والمتحقِّق أن ذلك كان بَعْدَ شَقِّ الصحيفة، وقبل بيعة العقبة، ووقع في الصحيحين لشَرِيك بن أبي نَمِرٍ، وَهْمٌ في هذا المعنى؛ فإنه روى حديثَ الإِسراء، فقال فيه: وذلك قبل أنْ يوحى إِليه، ولا خلاف بين المحدِّثين؛ أن هذا وَهْمَ من شريك. قال * ص *: {أسرى بِعَبْدِهِ} بمعنى: سَرَى، وليست همزتُهُ للتعدية، بل ك سَقَى وَأَسْقَى، والباء للتعدية، و{لَيْلاً} ظرفٌ للتأكيد؛ لأن السُّرَى لا يكون لغةً إِلا بليلٍ، وقيل: يعنى به في جوف الليل، فلم يكن إِدْلاجاً ولا ادلاجا انتهى. و{المسجد الأقصى}: بيت المقدس، والأقصى البعيدُ، والبركة حولَهُ منْ وجهين. أحدهما: النبوَّة والشرائعُ والرسُل الذين كانوا في ذَلِكَ القُطْر، وفي نواحيه. والآخر: النِّعَم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة. وقوله سبحانه: {لِنُرِيَهُ} يريد لنري محمَّداً بعينه آياتنا في السموات والملائكة والجَنَّةَ والسِّدْرةَ وغير ذلك من العجائبِ، مما رآه تلك الليلة، ولا خلاف أنَّ في هذا الإِسراء فُرِضَت الصلواتُ الخمسُ على هذه الأمة. وقوله سبحانه: {إِنَّهُ هُوَ السميع البصير} وعيد للمكذِّبين بأمر الإِسراء، أي: هو السميع لما تقولون، البصير بأفعالكم. .تفسير الآيات (2- 4): {وَآتَيْنَآ مُوسَى الكتاب}، أي: التوراة. وقوله: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً...} الآية: التقديرُ: فعلنا ذلك؛ لَئِلاَّ تتخذوا يا ذرية ف {ذُرِّيَّةَ}: منصوب على النداء، وهذه مخاطبة للعالَم، ويتجه نصبُ ذرِّيَّة على أنه مفعول ب {تتخذوا} ويكون المعنى أَلاَّ يتخذوا بشراً إِلاها من دون اللَّه، وقرأ أبو عمر وحده: {أَلاَّ يَتَّخِذُوا} بالياء، على لفظ الغائب، والوكيل؛ هنا من التوكيل، أي: متوكَّلاً عليه في الأمور، فهو ندٌّ للَّه بهذا الوجه، وقال مجاهد: {وَكِيلاً}: شريكاً، ووصف نوح بالشُّكْر؛ لأنه كان يحمد اللَّه في كل حالٍ، وعلى كل نعمةٍ من المطعم والمشرب والملبس والبراز وغير ذلك صلى الله عليه وسلم قاله سلمانُ الفارسيُّ وغيره، وقال ابن المبارك في رقائقه: أخبرنا ابنُ أبي ذئبٍ عن سعيدٍ المُقْبُرِيِّ عن أبيه عن عبد الله بن سَلاَمٍ: أن موسى عليه السلام قال: يا ربِّ، ما الشكْرُ الذي ينبغي لَكَ؟ قَالَ: يَا مُوسَى لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِي، انتهى، وقد رُوِّيناه مسنداً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أعني قوله: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّه». وقوله سبحانَهُ: {وَقَضَيْنَا إلى بَني إسراءيل...} الآية: قالتْ فرقة: {قَضَيْنَا} معناه: في أم الكتاب. قال * ع *: وإنما يُلْبِسُ في هذا المكان تعديةُ {قَضَيْنَا} ب {إلى}، وتلخيصُ المعنى عندي: أنَّ هذا الأمر هو مما قضاه اللَّه عزَّ وجلَّ في أمِّ الكتاب على بني إسرائيل، وألزمهم إياه، ثم أخبرهم به في التَّوْرَاة على لسان موسى، فلما أراد هنا الإعلام لنا بالأمريْنِ جميعاً في إيجازٍ، جعل {قَضَيْنَا} دالَّة على النفوذ في أم الكتاب، وقَرَن بها إِلى دالَّةً على إنزال الخير بذلك إلى بني إسرائيل، والمعنى المقصودُ مفهومٌ خلالَ هذه الألفاظ، ولهذا فسر ابنُ عباس مرةً بأنْ قال: {قَضَيْنَا إلى بَنِي إسراءيل}، معناه: أعلمناهم، وقال مرَّةً: قضينا عليهم، و{الكتاب} هنا؛ التوراةُ لأن القَسَم في قوله: {لَتُفْسِدُنَّ} غير متوجِّه مع أنْ نجعل {الكتاب} هو اللوح المحفوظ. وقال * ص *: و{قَضَيْنَا}: مضمَّنٌ معنى أوْحَيْنَا؛ ولذلك تعدَّى ب {إلى} وأصله أنْ يتعدَّى بنفسه إِلى مفعولٍ واحدٍ؛ كقوله سبحانه: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} [القصص: 29] انتهى، وهو حسنٌ موافق لكلام * ع *، وقوله {ولتعلُنَّ} أي: لتتجبَّرُنَّ، وتطلبون في الأرض العُلوَّ، ومقتضى الآيات أن اللَّه سبحانه أعْلَمَ بني إسرائيل في التوراة، أنه سيقع منهم عصيانٌ وكفرٌ لِنِعمِ اللَّه، وأنه سيرسل عليهم أمةً تغلبهم وتذلُّهم، ثم يرحمهم بعد ذلك، ويجعل لهم الكَرَّة ويردُّهم إلى حالهم من الظهور، ثم تقع منهم أيضاً تلك المعاصِي والقبائِحَ، فيبعث اللَّه تعالى عليهم أمةً أخرى تخرِّب ديارهم، وتقتلُهم، وتجليهم جلاءً، مبرِّحاً، وأعطى الوجودَ بعد ذلك هذا الأمْرَ كلَّه، قيل: كان بين المرتَيْنِ مِائَتَا سنةٍ، وعَشْرُ سنينَ مُلْكاً مؤيَّداً بأنبياء، وقيل: سبعون سنة. .تفسير الآيات (5- 8): وقوله سبحانه: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أولاهما} الضمير في قوله: {أولاهما} عائدٌ على قوله {مَرَّتَيْنِ}، وعبَّر عن الشر ب الوعد؛ لأنه قد صرَّح بذكْرِ المعاقبة. قال * ص *: {وَعْدُ أولاهما}، أي: موعود، وهو العقاب، لأن الوعد سبق بذلك، وقيلَ: هو على حذف مضاف، أي وعد عقاب أولاهما. انتهى، وهو معنى ما تقدَّم. واختلف الناس في العبيد المبعوثِينَ، وفي صورة الحال اختلافا شديداً متباعِداً، عيونُهُ أنَّ بني إِسرائيل عَصَوْا وقتلوا زكريَّاء عليه السلام، فغزاهُمْ سِنْجارِيبُ مَلِك بابل، قاله ابن إسحاق وابن جَبْير. وقال ابن عباس: غزاهُمْ جالوتُ من أهْل الجزيرة، وقيل: غزاهم بُخْتَ نَصَّرَ، وروي أنه دخل قَبْلُ في جيش من الفرس، وهو خامل يسير في مَطْبَخ الملك، فاطلع مِنْ جور بني إِسرائيل على ما لم تعلمه الفُرْسُ، فَلمَّا انصرف الجيشُ، ذكر ذلك للملك الأعظَمِ، فلما كان بعد مدَّة، جعله الملك رئيسَ جيشٍ، وبعثه فخرَّب بيت المقدس، وقتلهم، وأجلاهم، ثم انصرَفَ، فوجد المَلِكَ قد ماتَ، فمَلَكَ موضعه، واستمرت حاله حتى ملك الأرْضَ بعد ذلك، وقالت فرقة: إنما غزاهم بُخْتَ نَصَّرَ في المرَّة الأخيرة حين عَصَوْا وقتلوا يحيى بن زَكَرِيَّاءَ، وصورة قتله: أن الملك أراد أنْ يتزوج بِنْتَ امرأته، فنهاه يحيى عَنْها، فعزَّ ذلك على امرأته، فزَّينت بنْتَها، وجعَلَتها تسقي المَلِك الخمر، وقالت لها: إِذا راوَدَكَ عن نفسك، فتمنَّعي حَتَّى يعطيَكِ المَلِكُ ما تَتَمَنَّيْنَ، فإِذا قال لك: تَمنِّي عَلَيَّ ما أردتِّ، فقولي: رأسَ يحيى بن زكرياء، ففعلَتِ الجارية ذلك، فردَّها الملك مرَّتَيْنِ، وأجابها في الثالثة، فجيء بالرأْسِ في طَسْتٍ، ولسانُهُ يتكلَّم، وهو يقول: لا تحلُّ لك، وجرى دمُ يحيى، فلم ينقطعْ، فجعل الملك عليه التُرابَ، حتى ساوى سور المدينةِ، والدمُ ينبعث، فلما غزاهم المَلِكُ الذي بُعِثَ عليهم بحسب الخِلاَفِ الذي فيه، قَتَلَ منهم على الدمِ سبعين ألْفاً حتى سكَنَ، هذا مقتضى خبرهم، وفي بعض الروايات زيادة ونقصٌ، وقرأ الناس: {فَجَاسُوا}، وقرأ أبو السَّمَّال: بالحاء، وهما بمعنى الغلبةِ والدخولِ قهراً، وقال مُؤَرِّجٌ: جَاسُوا خِلاَلَ الأزِقَّةَ. * ت * قال * ص *: {جَاسُواْ} مضارعُه يَجُوسُ، ومصدره جَوْسٌ وجَوَسَانٌ، ومعناه: التردُّد، و{خِلاَلَ} ظرف، أي: وسط الديار انتهى. وقوله سبحانه: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ...} الآية عبارة عما قاله سبحانه لبني إِسرائيل في التوراة، وجعل {رددنا} موضع نَرُدُّ، لما كان وعد اللَّه في غاية الثِّقَة، وأنه واقع لا محالة، فعبَّر عن المستقبل بالماضي، وهذه الكرة هي بعد الجولة الأولى، كما وصفْنا، فغَلَبَتْ بنو إِسرائيل على بيت المقدس، وملَكُوا فيه، وحَسُنت حالهم بُرْهةً من الدهْرِ، وأعطاهم اللَّه الأموالَ والأولادَ وجعلَهم إِذا نفروا إِلى أمْرٍ أكثر النَّاس، فلما قال اللَّه: إِني سأفعل بُكْم هكذا، اعقَّب بوصيَّتهم في قوله: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ. ..} الآية، والمعنى: إِنكم بعملكم تُجَازَوْنَ، و{وَعْدُ الأخرة} معناه: من المرَّتَيْن. وقوله: {لِيَسُوءُواْ} اللام لام أمْرِ، وقيل: المعنى: بعثناهم، ليسوؤوا وليدخلوا، فهي لام كْيِ كلّها، والضمير للعباد أُولي البأس الشديد، و{المسجد} مسجد بيت المقدس، وتَبَّر معناه: أفسد بغشمٍ وركوب رأْس. وقوله: {مَا عَلَوْاْ}، أي: ما علوا عليه من الأقطار، وملكوه من البلاد، وقيل: {ما} ظرفية، والمعنى مدة علوهم وغلبتهم على البلاد. وقوله سبحانه: {عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ...} الآية: يقول اللَّه عزَّ وجلَّ لبقية بني إِسرائيل: عسى ربكم إِن أطعتم في أنفسكم واستقمتم أنْ يرحمكم، وهذه العِدَةُ ليست برجوعِ دولةٍ، وإِنما هي بأنْ يرحم المطيع منهم، وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمَّد عليهما السلام، فلم يفعلوا، وعادوا إلى الكفر والمعصية، فعاد عقابُ اللَّه عليهم بِضَرْبِ الذَّلة عليهم، وقتلِهمْ وإذلالِهمْ بِيَدِ كلِّ أمة، والحصير: من الحَصْر بمعنى السَّجْن، وبنحو هذا فسَّره مجاهد وغيره، وقال الحسن: الحصير في الآية: أراد به ما يفترشُ ويُبْسَطُ؛ كالحصير المعروف عند الناس. قال * ع *: وذلك الحصيرُ أيضاً هو مأخوذ من الحَصْر. .تفسير الآيات (9- 10): وقوله سبحانه: {إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...} الآية: {يَهْدِي}، في هذه الآية بمعنى يرشدُ، ويتوجَّه فيها أن تكون بمعنى يدعو والتي يريد بها الحالَةَ والطريقةَ، وقالتْ فرقة التي هي أقوم: لا إله إِلا اللَّه، والأول أعمُّ، والأجر الكبير الجنة؛ وكذلك حيثُ وقع في كتاب اللَّه فضْلُ كبير، وأجرٌ كبيرٌ، فهو الجنة، قال البَاجِيُّ قال ابنُ وَهْبٍ: سمعتُ مالكاً يقول: إِن استطعت أن تجعل القرآن إِماماً، فافعلْ، فهو الإِمام الذي يهدي إِلى الجَنَّة. قال أبو سليمان الدارانيُّ: ربَّما أقَمْتُ في الآية الواحدةِ خَمْسَ ليالٍ، ولولا أني أدَعُ التفكُّر فيها، ما جزتها، وقال: إنما يُؤتَى على أحدكم من أنه إِذا ابتدأ السورة، أراد آخرها. قال الباجيُّ. وروى ابن لبابة عن العتبي عن سُحْنُون؛ أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النومِ، فقال له: ما فعلَ اللَّهُ بك؟ قال: وَجَدتُّ عنده ما أَحْبَبْتُ! قال له: فأي أعمالِكَ وجدتَّ أفضلَ؟ قال: تلاوة القرآن، قال: قلتُ له: فالمسائلُ، فكان يشير بأصبعه؛ كأنه يلشيها، فكنت أسأله عن ابن وَهْب، فيقول لي: هو في عِلِّيِّينَ. انتهى من سنن الصالحين.
|